الجمعة، 21 يوليو 2017

شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم ” 29 "


شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم ” 29 ":

"شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله وأثبت الأمر من وجود أصله والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه . وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ؟ ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه؟".
شتان: اسم فعل ماض بمعنى بعد. أي: بعد ما بين من يستدل به تعالى على المحلوقات وهم المراودون أهل الشهود. أو بمعنى الواو أي: وبين من يستدل عليه تعالى بالمخلوقات وهم المريدون أهل السلوك. فأحوال هذين الفريقين متفاوتة في الرتبة . فالمستدل به تعالى على غيره عرف الحق وهو الوجود الذاتي لأهله وهو الله تعالى وأثبت الأمر أي وجود الحوادث من وجود أصله وهو الله تعالى أي جعل وجودهم مستفادا من وجوده إذ لولا إيجاده لهم لما وجدوا.. وهؤلاء هم أهل الجذب الذين جذبتهم يد العناية إما ابتداء أو بعد السلوك, وهم العارفون بربهم, فلا يشهدون غيره ولذلك يستدلون به على الأشياء في حال تدليهم . وأما الاستدلال عليه تعالى فلا يكون إلا من عدم الوصول إليه, لأن السالك يكون محجوبا بالآثار فيستدل بها على من كور الليل
والنهار.. فيكون من الاستدلال بالمجهول على المعلوم وبالمعدوم على الموجود وبالأمر الخفي على الظاهر الجلي . وذلك لوجود الحجاب ووقوفه مع الأسباب. وإلا فمتى غاب الحق حتى يستدل بمخلوقاته عليه ومتى بعد حتى تكون الآثار الناشئة عن قدرته هي التي توصل إليه . وما ألطف قول بعض أهل الشهود في هذا المقام المحمود:
عجيب لمن يبغي عليك شهادة ** وأنت الذي أشهدته كل مشهد

قال ابن عباد نقلا عن لطائف المنن: واعلم أن الأدلة إنما تنصب لمن يطلب الحق لا لمن يشهده لأن الشاهد غني بوضوح الشهود عن أن يحتاج إلى دليل فتكون المعرفة باعتبار توصيل الوسائل إليها كسبية ثم تعود في نهايتها ضرورية . وإذا كان من الكائنات ما هو غني بوضوحه عن إقامة دليل فالمكون أولى بغناه عن الدليل منها . ثم قال : ومن أعجب العجائب أن تكون الكائنات موصلة إليه . فليت شعري هل لها وجود معه حتى توصل إليه ؟ أو هل لها من الوضوح ما ليس له حتى تكون هي المظهرة له ؟ وإن الكائنات موصلة إليه فليس لها ذلك من حيث ذاتها لكن هو الذي ولاها رتبة التوصيل فوصلت فما وصل إليه غير إلاهيته.. ولكن الحكيم هو واضع الأسباب وهي لمن وقف عندها ولم تنفذ قدرته عين الحجاب


0 التعليقات:

إرسال تعليق