السبت، 22 يوليو 2017

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 52 "


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 52 ":

" إنما أورد عليك الوارد لتكون به عليه ورادا ".

أي: إنما أورد الله عليك - أيها المريد - الوارد وهو ما يرد على قلبك من المعارف
الربانية واللطائف الرحمانية, لتكون به ـ أي بذلك الوارد المطهر لقلبك ـ عليه سبحانه واردا. فإن الحضرة منزهة عن كل قلب متكدر بالآثار متلوث بأقذار الأغيار .

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 51 "

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 51 ":

"لا عمل أرجى للقبول من عمل يغيب عنك شهوده ويحتقر عندك وجوده ".

أي: لا عمل من أعمال البر أكثر رجاء للقبول ـ أي لقبول الله له ـ وفي نسخة للقلوب أي لإصلاحها من عمل يغيب عنك شهوده, لأنك إن غبت عن شهود عملك فقد بقيت حينئذ بربك وصار وجود العمل محتقرا عندك لاتهامك لنفسك في القيام بحقه .
ولذا قال بعض العارفين : كل شيء من أفعالك إذا اتصلت به رؤيتك فذلك دليل على أنه لا يقبل منك لأن المقبول مرفوع الوارد. وعلى المريد التحرر من رق الآثار.. وفضاء الشهود مطايا القلوب. وما هو مغيب عنك, وما انقطعت عنه رؤيتك فذلك دليل على القبول. يشير إلى قوله تعالى: { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه }” 10 “ فاطر

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 50 "

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 50 ":

" لا صغيرة إذا قابلك عدله, ولا كبيرة إذا واجهك فضله. "

أي: لا صغيرة من ذنوبك بل كلها كبائر إذا قابلك عدله تعالى. فإن صفة العدل إذا ظهرت على من أبغضه الله تلاشت حسناته وعادت صغائره كبائر, لأنه يعذبه على أصغر ذنب. ولا كبيرة إذا واجهك فضله.. وهو إعطاء الشيء بغير عوض, فإن صفة العدل إذا ظهرت لمن أحبه اضمحلت سيئاته وبدلت حسنات.
وأنا أقول كما قال الإمام الشاذلي: اللهم اجعل سيئاتنا سيئات من أحببت ولا تجعل
حسناتنا حسنات من أبغضت. فالإحسان لا ينفع مع البغض منك والإساءة لا
تضر مع الحب منك.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 49 "


سلسلة شرح الحكم العطائية,, الحكمة رقم ” 49 ":

"من علامات موت القلب عدم الحزن على ما فاتك من الموافقات وترك الندم على ما فعلته من وجود الزلات."

أي: إن عدم حزنك - أيها المريد - على ما فاتك من ـ الموافِقات بكسر الفاء ـ ..
أي: الطاعات الموافقة للشرع وترك ندمك على ما فعلته من وجود الزلات أي المعاصي التي توجد منك علامة موت قلبك, ويفهم منه أن سرورك بالطاعة وحزنك على المعصية علامة حياتك. لما في الحديث: " من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن " . فإن الأعمال الحسنة علامة على رضا الحق ورضاه يقتضي السرور. والأعمال السيئة علامة على غضبه وغضبه يقتضي الحزن . فمن رضي الله عنه وفقه لصالح الأعمال. ومن غضب عليه تركه في زوايا الإهمال. أسأل الله التوفيق لأقوم طريق.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 49 "


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 49 ":

"لا يعظم الذنب عندك عظمة تصدك عن حسن الظن بالله تعالى, فإن من عرف ربه استصغر في جنب كرمه ذنبه."

لما أفهم كلامه أن الندم على المعصية حياة القلب أشار بهذا إلى أن المراد الندم الذي لا يؤدي لليأس من رحمة الله تعالى . فالمطلوب أن تكون خائفا راجيا. فالخوف يحملك على التوبة من الذنب, والرجاء يطمعك في القبول. فإن من عرف ربه باللطف والفضل والامتنان استصغر في جنب كرمه ذنبه أيا كان من الصغائر والكبائر.. ولم يطلب لمقابلة الطاعات العدل بل الفضل. فعدم رؤيتك للأعمال علامة لقبولها.
قال الله تعالى : { أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ” 48 “ النساء . والله در القائل:

ذنوبي أن فكرت بها كثيرة ** ورحمة ربي من ذنوبي أوسع

هو الله مولاي الذي هو خالقي ** وإنني له عبد أذل وأخضع

وما طمعي في صالح قد عملته ** ولكنني في رحمة االه أطمع

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم " 47 “

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم " 47 “:

"لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه, لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره, فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة, ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور, ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور { وماذلك على الله بعزيز }” 20 “ إبراهيم.

أي: لا تترك - أيها المريد - الذكر الذي هو منشور الولاية لعدم حضور قلبك مع
الله فيه لاشتغاله بالأعراض الدنيوية, بل اذكره على كل حال, لأن غفلتك عن وجود ذكره بأن تتركه بالكلية أشد من غفلتك في وجود ذكره لأنك في هذه الحالة حركت به لسانك وإن كان قلبك غافلا عن المذكور. فعسى أن يرفعك أي يرقيك بفضله من ذكر مع وجود غفلة عنه إلى ذكر مع وجود يقظة أي تيقظ قلب لما يناسب حضرته من الآداب, ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور في حضرة الاقتراب, ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور, فتفنى حتى عن الذكر. وفي هذا المقام ينقطع ذكر اللسان ويكون العبد محوا في وجود العيان. كما قال بعض أهل هذا المقام:

ما أن ذكرتك إلا هم يقتلني ** سري وقلبي وروحي عند ذكراكا

حتى كأن رقيبا منك يهتف بي ** إياك ويحك والتذكار إياكا

أما ترى الحق قد لاحت شواهده ** وواصل الكل من معناه معناكا

وإذا صدر ذكر اللسان في هذا المقام فإنه يخرج من غير قصد ولا تدبر, بل يكون
الحق المبين لسانه الذي ينطق به, لأن صاحبه في مقام الحب المشار إليه بالحديث : " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به " إلى آخر الحديث وهذه المراقي لا يعرف حقيقتها إلا السالكون.. فقابلها بالتسليم أن لم تكن من أهلها { ولاتتبع أهواء الذين لايعلمون }” 18 “ الجاثية.
وخذ في الأسباب يرتفع عنك الحجاب { وما ذلك على الله بعزيز }” 20 “ إبراهيم.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم " 46 "

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم " 46 ":

"حسن الأعمال نتائج حسن الأحوال, وحسن الأحوال من التحقق في مقامات الإنزال."

يعني: أن الأعمال الحسنة إنما هي نتائج الأحوال الحسنة القائمة بالقلب من الزهد في الدنيا والإخلاص الله تعالى لا لطلب حظ عاجل ولا ثواب آجل .
وحسن الأحوال ناشئ من التحقق أي التمكن في مقامات الإنزال أي في المقامات التي تنزل في قلوب العارفين وهو كناية عن المعارف الإلهية التي يوردها االله تعالى على قلوبهم فتكون سببا في رفع الدعوى وعدم التعلق بغير المولى.. وهذه الثلاثة المذكورة مرتب بعضها على بعض, وبهذا اتضح قول الإمام الغزالي: لا بد في كل مقام من مقامات اليقين من علم وحال وعمل, فالعلم ينتج الحال والحال ينتج العمل.

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 45 "

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 45 ":

"ما قل عمل برز من قلب زاهد ولا كثر عمل برز من قلب راغب."

يعني : أن العمل الصادر من الزاهد في الدنيا كثير في المعنى وإن كان قليلا
في الصورة لسلامته من الآفات القادحة في قبوله,, من الرياء والتصنع للناس
وطلب الأعراض الدنيوية. بخلاف الصادر من الراغب فيها.. فإنه على العكس من
ذلك. وقد شكا بعض الناس لرجل من الصالحين أنه يعمل أعمال البر ولا يجد لها حلاوة في قلبه. فقال: لأن عندك بنت إبليس وهي الدنيا ولا حسن الأعمال وحسن الأحوال.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 44"

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 44"

" ربما كنت مسيئا فأراك الإحسان منك صحبتك إلى من هو أسوأ حالا منك."

فإن صحبتك ـ أي انضمامك إلى من هو أسوأ حالا منك ـ سبب لتغطية عيوب نفسك ورؤية كمالها بالنسبة لغيرك فتقع في مهاوي الإعجاب والزهو بالأعمال التي ربما كانت في الحقيقة كسراب.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 43 "


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 43 ":

" لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله."

أي: لا تصحب من لا يرقيك حاله الذي هو عليه لعدم علو همته فإن الطبع سراق كما قال بعضهم:
بني: اجتنب كل ذي بدعة ** ولا تصحبن من بها يوصف
فيسرق طبعك من طبعه ** وأنت بذلك لا تعرف

بل اصحب شيخا عارفا ينهضك حاله بأن تكون همته متعلقة بالله تعالى فلا يلجأ إلا إليه ولا يتوكل في جميع أموره إلا عليه ويدلك على الله مقاله لمعرفته بالله تعالى. فصحبة الأخيار أصل كبير في طريق القوم.. وأما صحبة الأشرار ففيها كبير اللوم لما فيها من عظيم الآفات الموجبة إلى رجوع القهقرى والانحطاط عن علي الدرجات كما قال المصنف.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم " 42 "


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم " 42 ":

"لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير.. والذي ارتحل إليه هو الذي ارتحل منه, ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون { وأن إلى ربك المنتهى }” 42 “ النجم

وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: " فمن كانت هجرته إلى االله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه " . فافهم قوله عليه الصلاة و السلام, وتأمل هذا الأمر أن كنت ذا فهم. أي: لا تطلب بأعمالك الصالحة عوضا ولو في الآخرة. فإن الآخرة كون كالدنيا والأكوان متساوية في أنها أغيار, وإن وجد في بعضها أنوار بل اطلب وجه الكريم المنان الذي كون الأكوان وفاء بمقتضى العبودية وقياما بحقوق الربوبية لتحقق بمقام: { وأن إلى ربك المنتهى } ” 42 “ النجم. وهذا مقام العافين الذين رغبوا عن طلب الثواب ومحضوا النظر إلى الكريم الوهاب فتحققوا بمقام الإخلاص الناشئ عن التوحيد الخاص. وأما من فر من الرياء في عباداته وطلب بها الثواب فقد فر من كون إلى كون بلا ارتياب فهو كحمار الرحى أي
الطاحون يسير ولا ينتقل عما سار منه لرجوعه إليه. وفي هذا التشبيه التنفير عن هذا الأمر ما لا مزيد عليه وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله " أي نية وقصدا " فهجرته إلى الله ورسوله " أي وصولا. فلم يتحد الشرط والجزاء في المعنى . فقوله : " فهجرته إلى الله ورسوله " هو معنى الارتحال من الأمر بمصاحبة من يدلنا على الله بترك الأكوان إلى المكون وهو المطلوب من العبد. وقوله: " فهجرته إلى ما هاجر إليه " هو البقاء مع الأكوان وهو المنهي عنه.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 41 “

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 41 “:


"العجب كل العجب ممن يهرب مما لا انفكاك عنه.. ويطلب ما لا بقاء له معه { فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور } ” 46“ الحج.

أي: العجب الكامل من العبد الذي يهرب - بضم الراء من باب نصر - أي يتباعد من ربه الذي لا انفكاك له عنه بأن لا يفعل ما يقربه إليه مع توارد إحسانه عليه.. ويطلب ما لا بقاء له معه وهو ـ الدنيا وكل شيء سوى الله ـ بأن يقبل على شهواته ويتبع شيطانه وهواه. وما ألطف ما قيل لمن هو من هذا القبيل:
تفنى اللذائذ يا من نال شهوته ** من المعاصي وبيقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء لا انفكاك لها ** لا خير في لذة من بعدها النار

وهذا إنما يكون من عمى البصيرة ـ التي هي عين القلب ـ حيث استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.. وآثر الفاني على الباقي. فإنها ـ أي القصة والشأن ـ ..وجملة لا تعمى الأبصار خبر مفسر لها. وفي الآية إشارة إلى أن عمى الأبصار بالنسبة لعمى البصائر كالأعمى.. فإن عمى الأبصار إنما يحجب عن المحسوسات الخارجية.. وأما عمى البصائر أي عيون القلوب فإنه يحجب عن المعاني القلبية والعلوم الربانية.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 40 "


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 40 ":

" إن لم تحسن ظنك به لأجل وصفه,, حسن ظنك به لأجل معاملته معك.. فهل عودك إلا حسنا ؟ وهل أسدى إليك إلا مننا؟"

اعلم أن تحسين الظن بالله تعالى أحد مقامات اليقين.. والناس فيه على قسمين: فالخاصة يحسنون الظن به لاتصافه بالصفات العلية والنعوت السنية. والعامة لِما عودهم به من الإحسان وأوصله إليهم من النعم الحسان.. فإن لم تصل - أيها المريد - إلى مقام الخاصة فحسن ظنك به لحسن معاملته معك.. فإنه ما عودك إلا عطاء حسنا.. ولا أسدى ـ أي أوصل إليك ـ إلا مننا.. والله عودك الجميل. فقس على ما قد مضى..
وينبغي للعبد أن يحسن الظن بربه في أمر دنياه وأمر آخرته. أما أمر دنياه فأن
يكون واثقا بالله تعالى في إيصال المنافع إليه من غير كد ولا سعي أو بسعي خفيف مأذون فيه مأجور عليه بحيث لا يفوته شيئا من فرض ولا نفل فيوجب له ذلك سكونا وراحة في قلبه فلا يستفزه طلب ولا يزعجه سبب. وأما أمر آخرته فأن يكون قوي الرجاء في قبول أعماله الصالحة.. فيوجب له ذلك المبادرة لامتثال الأوامر والتكثير من أعمال البر. ومن أعظم مواطن حسن الظن باالله تعالى حالة الموت لما في الحديث: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن باالله ".. وورد : " أنا عند ظن عبد بي فليظن بي ما شاء"
** ليس أعجب ممن يهرب مما لا انفكاك له عنه . . الرحلة من الأكوان إلى
المكون سبحانه.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 39 “


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 39 “:

"لا ترفعن إلى غيره حاجة هو موردها عليك, فكيف يرفع غيره ما كان هو له واضعا؟ من لا يستطيع أن يرفع حاجة عن نفسه, فكيف يستطيع أن يكون لها عن غير رافعا؟ "

أي:لا ترفعن إلى غيره تعالى حاجة كفقر أو نازلة هو موردها عليك اختبارا لك, بل ارفع إليه ذلك فإنه سبحانه يحب أن يسأل, وفي الحديث : " من لم يسأل الله يغضب عليه " . وما ألطف قول بعضهم:
لا تسألن بني آدم حاجة ** وسل الذي أبوابه لا تحجب
فالله يغضب أن تركت سؤاله **وبني آدم حين يسأل يغضب

ومن المحال أن يرفع غيره سبحانه ما كان هو له واضعا, فإن الله غالب على أمره, والعبد شأنه العجز عن رفع النازلة عن نفسه, فكيف يستطيع أن يرفعها عن غيره؟ فالطلب من الخلق غرور وباطل, وليس تحته عند أرباب البصيرة طائل, وهذا إذا كان على وجه الاعتماد عليهم والاستناد إليهم مع الغفلة في حال الطلب عن الله تعالى. وأما إذا كان من باب الأخذ بالأسباب مع النظر إلى أن المعطي في الحقيقة الملك الوهاب فهو من هذا الباب. والله أعلم بالصواب.

شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 38


شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم 38:

"لا تتعد نية همتك إلى غيره فالكريم لا تتخطاه الآمال".

أي: لا تجعل قصدك متعديا إلى غيره تعالى.. فالكريم لا تتخطاه آمال المؤملين..
فإن ذا الهمة العلية يأنف من رفع حوائجه إلى غير كريم.. ولا كريم على الحقيقة إلا رب العالمين . وأجمع العبارات في معنى وصف الكريم ما قيل: الكريم هو الذي إذا قدر عفا.. وإذا وعد وفى.. وإذا أعطى زاد على منتهى الرجا.. ولا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى.. وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى.. وإذا جفي عاتب وما استقصى.. ولا يضيع من لاذ به والتجا.. ويغنيه عن الوسائل والشفعاء. فإذا كانت هذه الصفات لا يستحقها أحد سوى الله تعالى فينبغي أن لا تتخطاه آمال المؤملين . كما قال بعض العارفين:

حرام على من وحد الله ربه ** وأفرده أن يجتدي أحدا رفدا

ويا صاحبي قف بي مع الحق ** وقفة أموت بها وجدا وأحيا بها وجدا

وقل لملوك الأرض تجهد جهدها ** فذا الملك ملك لا يباع ولا يهدى.

شرح الحكم العطائية..الحكمة رقم 37


شرح الحكم العطائية..الحكمة رقم 37:

" كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان".

أي كينونة لا يصحبها زمان ولا مكان فإنهما من مخلوقاته. والمراد بهذه الحكمة
أنه لا شيء معه في أبده.. كما لم يكن معه شيء في أزله.. لثبوت أحديته .
يوضح ذلك قوله فيما سيأتي : الأكوان ثابتة بإثباته ممحوة بأحدية ذاته.

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 36 "


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 36 ":

"شعاع البصيرة يشهدك قربه منك.. وعين البصيرة يشهدك عدمك لوجوده وحق البصيرة يشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك".

يشير إلى ثلاث مراتب: فشعاع البصيرة ويعبر عنه بنور العقل وبعلم اليقين
يشهدك قربه تعالى منك قرب علم وإحاطة فتستحي منه أن يراك حيث نهاك
أو يفقدك حيث أمرك. وعين البصيرة ـ ويعبر عنه بنور العلم وبعين اليقين ـ
يشهدك عدمك لوجوده الذي تضمحل الموجودات معه, فإن وجودها عارية منه
كان الله ولا شيء معه. ذو الهمة يأنف من رفع حوائجه لغير الله.. وعند ذلك لا يبقى في نظرك ما تستند إليه سواه.. فإنك إذ ذاك لا تشهد إلا إياه. وحق البصيرة ـ ويعبر عنه بنور الحق وبحق اليقين ـ يشهدك وجوده لا عدمك ولا وجودك.. فتكون في مشاهدة الحق حال كونك في مقام الفناء الكامل الذي تفنى فيه حتى عن فنائك استهلاكا في وجود سيدك
وبعد الفنا في الله كن ما تشا فعلمك لا جهل وفعلك لا وزر.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 35 "


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 35 ":

"أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس.. وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا منك عنها. ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه فأي علم لعالم يرضى عن نفسه ؟ وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه ؟"

يعني: أن النظر إلى النفس بعين الرضا يوجب تغطية عيوبها ويصير قبيحها حسنا. والنظر إليها بعين السخط يكون بضد ذلك على حد قول القائل:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ** كما أن عين السخط تبدي المساويا
فمن رضي عن نفسه استحسن حالها فتستولي عليه الغفلة عن الله تعالى فينصرف قلبه عن مراعاة خواطره فتثور عليه الشهوة وتغلبه لعدم وجود المراقبة القلبية التي تدفعها فيقع في المعاصي لا محالة. فعطف الغفلة والشهوة على المعصية من عطف السبب على المسبب. وكذا عطف اليقظة والعفة على الطاعة فإن اليقظة التي هي التنبه لما يرضي الله تعالى والعفة التي هي علو الهمة عن الشهوات يتسبب عنهما الطاعة التي هي اتباع المأمورات واجتناب المنهيات . وإنما كان الرضا عن النفس أصل كل معصية لأنها أمارة بالسوء فهي العدو الملازم. وفي الحديث: " أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك " وناهيك قول يوسف الصديق: { وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء } ” 53 “ يوسف.. ولله در الإمام البوصيري حيث قال:
وخالف النفس والشيطان واعصهما ** وإن هما محضاك النصح فاتهم
ولا تطع منهما خصما ولا حكما ** فأنت تعرف كيد الخصم والحكم

ولما كان الرضا عن النفس من شأن من يتعاطى العلوم الظاهرية التي لا تدل على عيوب النفس نهى المصنف عن صحبتهم بقوله : ولأن تصحب ـ بفتح لام الابتداء الداخلة على أن المصدرية.. أي: لصحبتك جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك في تحصيل فائدة الصحبة ـ التي هي الزيادة في حالك ـ من أن تصحب عالما بالعلوم الظاهرية يرضى عن نفسه. فإن المدار في الانتفاع بالصحبة إنما هو على العلم بعظمة الله وجلاله وإحسانه الذي ينشأ عنه معرفة النفس وعيوبها لا على العلوم العقلية والنقلية. فأي علم - أي نافع - لعالم بالعلوم الظاهرية يرضى عن نفسه.. و أي جهل ضار لجاهل بالعلوم الظاهرية لا يرضى عن نفسه لعلمه بعيوبها.. فإنه وإن قلت بضاعته من الأحكام لابد أن يحصلها
بالوقائع على مدى الأيام. فلا ينبغي للمريد أن يصحب إلا من يكون عارفا بعيوب نفسه غير راض عنها ليقتدي به في أفعاله فإن الطبع سراق ـ كما قال بعضهم ـ:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ** فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ** ولا تصحب الأردى فتردى مع الردى.

ساسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 34 "


ساسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 34 ":

" أخرج من أوصاف بشريتك عن كل وصف مناف لعبوديتك لتكون لنداء الحق مجيبا ومن حضرته قريبا. "

أوصاف البشرية إما ظاهرة وهي أعمال الجوارح.. وإما باطنة وهي أعمال
القلب. وكل منهما إما طاعة وإما معصية. والنظر فيما يتعلق بالأعمال الظاهرة من طاعة أو معصية يسمى تفقها. وفيما يتعلق بالأعمال الباطنة يسمى تصوفا. ومتى صلح الباطن صلح الظاهر. فإن القلب كالملك والجوارح كالجنود التي لا تتخلف عن طاعته . وصلاحه إنما يكون بالتخلي عن كل وصف مناقض للعبودية كالكبر والعجب والرياء وغير ذلك.. والتحلي بالأوصاف المحمودة التي تقربه إلى السيد المالك كالتواضع والحلم والرضا والإخلاص في العبودية إلى غير ذلك من أوصاف الإيمان التي يكتسب بها أبهى مزية. فإذا تخلق المريد بذلك ناداه الحق بقوله له : يا عبدي فيجيبه حينئذ بقوله : لبيك يا ربي فيكون صادقا في إجابته محققا لنسبته. وهذه هي العبودية الخاصة لأن العبودية قسمان: عبودية ملك وقهر وهي عامة لكل المخلوقات كما في قوله تعالى : { إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا } ” 93“ مريم. وعبودية خاصة بأحبابه وهي المرادة بقول القاضي عياض: أصل الخطايا الرضا عن النفس . . ص 45

ومما زادني شرفا وتيها ** وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي ** وأن صيرت أحمد لي نبيا

ويكون أيضا من حضرته تعالى قريبا لبعده عن نفسه التي من شأنها النفور عنها والفرار منها فمرتبة العبودية أنالته هذه الخصوصية. واعلم أن المراد بحضرة االله تعالى - حيث أطلقت في لسان القوم - شهود العبد أنه بين يدي الله تعالى.. فما دام هذا مشهده فهو في حضرة الله تعالى. فإذا حجب عن هذا المشهد فقد خرج منها. ثم أن هذا السلوك لا يتيسر إلا لمن حاسب نفسه وأخذ حذره منها.. كما قال المصنف.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 33 "


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 33 ":


" الحق ليس بمحجوب وإنما المحجوب أنت عن النظر إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه ولو كان له ساتر لكان لوجوده حاصر وكل حاصر لشيء فهو له قاهر . { وهو القاهر فوق عباده } ” 18 “ الأنعام

يعني أن الحجاب لا يتصف به الحق سبحانه وتعالى لاستحالته في حقه. وإنما المحجوب أنت أيها العبد بصفاتك النفسانية عن النظر إليه فإن رمت الوصول فابحث عن عيوب نفسك وعالجها فإن الحجاب يرتفع عنك فتصل إلى النظر إليه بعين بصيرتك وهو مقام الإحسان الذي يعبرون عنه بمقام المشاهدة . وقد استدل المصنف على استحالة الحجاب على رب الأرباببقوله: إذ لو حجبه شيء لستره ما حجبه أي عن النظر إليه ولو كان له ساترا لكان لوجوده أي ذاته حاصر أي محيط به لاستلزام الساتر لانحصار المستور فيه وكل حاصر لشيء فهو له قاهر لأنه يجعله في أسر قبضته وتحت حكمه.. وذلك لا يصح في حقه تعالى لقوله في كتابه: { وهو القاهر فوق عباده } ” 18 “ الأنعام.. فوقية معنوية لا مكانية.. فإنه تعالى منزه عن الزمان والمكان.

شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 32 "


شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 32 ":

"تشوفك إلى ما بطن فيك من العيوب خير من تشوفك إلى ما حجب عنك من الغيوب."

تشوفك ـ بالفاء في الموضعين ـ أي تطلعك بعين البصيرة إلى ما بطن أي خفي
فيك من العيوب والأمراض القلبية كالكبر والحقد والعجب والرياء والسمعة
والمداهنة وحب الرياسة والجاه ونحو ذلك حتى تتوجه همتك إلى زوال ذلك
بالرياضة والمجاهدة ـ خصوصا على يد شيخ عارف ـ خير لك من تطلعك إلى ما
حجب عنك من الغيوب أي ما غاب عنك كالأسرار الإلهية والكرامات الكونية لأن
هذا حظ نفسك وذلك واجب عليك لربك . فإن نفسك تطلب الكرامة ومولاك مطالبك بالاستقامة.. ولأن تكون بحق مولاك خير من أن تكون بحظ نفسك وهواك .
وهذه الحكمة عمدة في طريق القوم.. فطهر نفسك من أنواع الرذائل قبل أن يتوجه إليها اللوم.

شرح الحكم العطائية,, الحكمة رقم ” 31 “


شرح الحكم العطائية,, الحكمة رقم ” 31 “:

" اهتدى الراحلون إليه بأنوار التوجه والواصلون لهم أنوار المواجهة ..فالأولون للأنوار وهؤلاء الأنوار لهم.. لأنهم لله لا لشيء دونه { قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } ” 91 “ الأنعام.

أي: اهتدى السالكون السائرون إلى الله تعالى بأنوار التوجه أي الأنوار الناشئة
من العبادات والرياضات التي توجهوا بها إلى حضرة الرب فإن الله تعالى يقول :
{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا } ” 69 “ العنكبوت . والواصلون إلى الله
تعالى لهم أنوار المواجهة أي التقرب والتحبب. فالأولون عبيد للأنوار لاحتياجهم إليها في الوصول إلى مقصودهم. وهؤلاء ـ أي الواصلون ـ الأنوار لهم لأنهم الله لا لشيء دونه عملا ..بإشارة قوله تعالى: { قل الله } أي: توجه إليه ولا تمل إلى أنوار ولا غيرها { ثم ذرهم } أي اتركهم { في خوضهم يلعبون }.
فإفراد التوحيد بعد فناء الأغيار هو حق اليقين. ورؤية ما سوى الله خوض ولعب.

الجمعة، 21 يوليو 2017

شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 30 "


شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم ” 30 ":

" { لينفق ذو سعة من سعته } الواصلون إليه.. { ومن قدر عليه رزقه} السائرون إليه. "

أي لينفق الفريق صاحب السعة في المعرفة وعلوم الأسرار من سعته وهم الواصلون إليه تعالى فيفيضون على غيرهم مما آتاهم الله ويتصرفون في العوالم كيف شاءوا.. ومن قدر بضم القاف وكسر الدال المهملة أي والفريق الذي ضيق عليه رزقه من ذلك فلينفق مما آتاه الله على قدر ما أعطاه وهم السائرون إليه تعالى. فقوله الواصلون خبر مبتدأ محذوف أي هم الواصلون إليه. وكذلك السائرون..
فنظر الإنسان إلى عيوبه خير من تطلعه إلى ما حجب عنه من الغيب.

شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم ” 29 "


شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم ” 29 ":

"شتان بين من يستدل به أو يستدل عليه المستدل به عرف الحق لأهله وأثبت الأمر من وجود أصله والاستدلال عليه من عدم الوصول إليه . وإلا فمتى غاب حتى يستدل عليه ؟ ومتى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه؟".
شتان: اسم فعل ماض بمعنى بعد. أي: بعد ما بين من يستدل به تعالى على المحلوقات وهم المراودون أهل الشهود. أو بمعنى الواو أي: وبين من يستدل عليه تعالى بالمخلوقات وهم المريدون أهل السلوك. فأحوال هذين الفريقين متفاوتة في الرتبة . فالمستدل به تعالى على غيره عرف الحق وهو الوجود الذاتي لأهله وهو الله تعالى وأثبت الأمر أي وجود الحوادث من وجود أصله وهو الله تعالى أي جعل وجودهم مستفادا من وجوده إذ لولا إيجاده لهم لما وجدوا.. وهؤلاء هم أهل الجذب الذين جذبتهم يد العناية إما ابتداء أو بعد السلوك, وهم العارفون بربهم, فلا يشهدون غيره ولذلك يستدلون به على الأشياء في حال تدليهم . وأما الاستدلال عليه تعالى فلا يكون إلا من عدم الوصول إليه, لأن السالك يكون محجوبا بالآثار فيستدل بها على من كور الليل
والنهار.. فيكون من الاستدلال بالمجهول على المعلوم وبالمعدوم على الموجود وبالأمر الخفي على الظاهر الجلي . وذلك لوجود الحجاب ووقوفه مع الأسباب. وإلا فمتى غاب الحق حتى يستدل بمخلوقاته عليه ومتى بعد حتى تكون الآثار الناشئة عن قدرته هي التي توصل إليه . وما ألطف قول بعض أهل الشهود في هذا المقام المحمود:
عجيب لمن يبغي عليك شهادة ** وأنت الذي أشهدته كل مشهد

قال ابن عباد نقلا عن لطائف المنن: واعلم أن الأدلة إنما تنصب لمن يطلب الحق لا لمن يشهده لأن الشاهد غني بوضوح الشهود عن أن يحتاج إلى دليل فتكون المعرفة باعتبار توصيل الوسائل إليها كسبية ثم تعود في نهايتها ضرورية . وإذا كان من الكائنات ما هو غني بوضوحه عن إقامة دليل فالمكون أولى بغناه عن الدليل منها . ثم قال : ومن أعجب العجائب أن تكون الكائنات موصلة إليه . فليت شعري هل لها وجود معه حتى توصل إليه ؟ أو هل لها من الوضوح ما ليس له حتى تكون هي المظهرة له ؟ وإن الكائنات موصلة إليه فليس لها ذلك من حيث ذاتها لكن هو الذي ولاها رتبة التوصيل فوصلت فما وصل إليه غير إلاهيته.. ولكن الحكيم هو واضع الأسباب وهي لمن وقف عندها ولم تنفذ قدرته عين الحجاب


شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم "28"


شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم "28":

"ما استودع في غيب السرائر ظهر في شهادة الظواهر".

هذه علامات يعرف بها حال المريد السالك. فإن الظاهر عنوان الباطن. فمن طابت سريرته حمدت سيرته.
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ** وإن خالها تخف عن الناس تعلم
وقال آخر:
دلائل الحب لا تخفى على أحد ** كحامل المسك لا يخفى إذا عبقا
فما في القلب من محمود أو مذموم يظهر على الجوارح. لما في الحديث : " لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ".
فمن ادعى بقلبه معرفة الله تعالى ومحبته ولم تظهر على ظاهره ثمرات ذلك من اللهج بذكره والمسارعة إلى اتباع أمره والفرار من القواطع الشاغلة عنه والاضطراب عن الوسائط المبعدة منه فهو كذاب في دعواه متخذ إله هواه.

شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم "27"


شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم "27":

" من أشرقت بدايته أشرقت نهايته ".

أي: من عمر أوقاته في حال سلوكه بأنواع الطاعة وملازمة الأوراد أشرقت
نهايته بإفاضة الأنوار والمعارف حتى يظفر بالمراد. وأما من كان قليل الاجتهاد
في البداية فإنه لا ينال مزيد الإشراق في النهاية.

شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 26 “


شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ” 26 “:

"من علامات النُجح في النهايات الرجوع إلى الله في البدايات".

أي من العلامات الدالة على النجح ـ بضم النون ـ أي الظفر للمريد بمقصوده في نهايته الرجوع إلى الله تعالى بالتوكل عليه والاستعانة به في بدايته. فمن صحح بدايته بالرجوع إلى الله والتوكل عليه في جميع أموره عليه نجح في نهايته التي هي حال وصوله إلى مطلوبه وفاز بما يقربه لديه. وأما من لم يصحح بدايته بما ذكر انقطع عن الوصول ولم يبلغ في نهاية أمره المأمول. قال بعض العارفين : من ظن أنه يصل إلى الله بغير الله قطع به. ومن استعان على عبادة الله بنفسه وكل إلى نفسه.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 25


سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 25:

"ما توقف مطلب أنت طالبه بربك ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك".

أي ما تعسر مطلب من مطالب الدنيا والآخرة أنت طالبه بربك أي بالاعتماد عليه والتوسل إليه. فمتى أنزلت حوائجك به فقد تمسكت بأقوى سبب وفزت بقضائها من أفضاله بغير تعب. { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } ” 3“ الطلاق. ومعنى قوله: ولا تيسر مطلب أنت طالبه بنفسك أنك لو اعتمدت - أيها المريد - على حولك وقوتك تعسرت عليك المطالب ولم تتحصل على بغيتك. فالسعادة في الرجوع إلى الله . .
وإشراق البداية دليل إشراق النهاية . .
وأن الظاهر عنوان الباطن.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 24


سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 24:

"لا تستغرب وقوع الأكدار ما دمت في هذه الدار.. فإنها ما أبرزت إلا ما هو مستحق وصفها وواجب نعتها".

أي لا تعد وقوع الأكدار أمرا غريبا مدة كونك في هذه الدار الدنيوية فإنها ما أبرزت أي أظهرت إلا ما هو مستحق وصفها أي وصفها المستحق لها. وواجب نعنها أي نعتها الواجب أي اللازم لها. فمن ضرورياتها وجود المكاره فيها مع الانهماك عليها كما قال بعض واصفيها: طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأقذار ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء ج ذوة نار. ومن كلام جعفر الصادق: من طلب ما لم يخلق أتعب نفسه ولم يرزق. قيل له: وما ذاك ؟ قال: الراحة في الدنيا. وأخذ بعضهم هذا المعنى فقال: تطلب الراحة في دار العنا خاب من يطلب شيئا لا يكون. وقال الصفي الحلي: عدم تعسر المطالب بالاعتماد على الله.

قال العذول لم اعتزلت عن الورى ** وأقمت نفسك في المقام الأوهن
ناديت طالب راحة فأجابني ** أتعبتها بطلاب ما لم يمكن


وقال آخر:
ومن رام في الدنيا حياة سليمة ** من الهم والأكدار رام محالا
فينبغي للمريد أن يوطن نفسه على المحن.. فإنه لا يتحرك من قلبه عند نزولها به ما سكن . على حد ما قيل:
يمثل ذو اللب في لبه ** شدائده قبل أن تنزلا
فإن نزلت بغتة لم يرع ** لما كان في نفسه مثلا
رأى الأمر يفضي إلى ** آخر فصير أخره أولا
وذو الجهل يأمن أيامه ** وينسى مصارع من قد خلا
فإن دهمته صروف الزمان** ببعض مصائبه أعولا
ولو قدم الحزم في نفسه ** لعلمه الصبر عند البلا..


سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 23


سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 23:

"لا تترقب فراغ الأغيار فإن ذلك يقطعك عن وجود المراقبة له فيما هو مقيمك فيه".

أي: لا تنتظر - أيها المريد - انتهاء الأغيار أي الشواغل التي منها ما أقامك فيه الحق بل راقبه فيما تترقب فراغه فإن تأميلك للوقت الثاني يمنعك من القيام بحق الوقت الذي أنت فيه . والفقير الصادق يكون في كل وقت بحسبه.
وسئل بعض العارفين: متى يستريح الفقير؟ فقال : إذا لم ير وقتا غير الوقت الذي هو فيه. وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: { ونبلوكم بالشر والخير فتنة }” 35 “ الأنبياء. أي: نختبركم بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر.. وقيل بما تحبون وما تكرهون لننظر شكركم فيما تحبون وصبركم فيما تكرهون.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 22

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 22:

ما من نفَس تبديه.. إلا وله قدَر فيك يمضيه".

النفس ـ بفتح الفاء ـ جزء من الهواء يخرج من باطن البدن في جزء من الزمن.. والمعنى: ليس من نفس من أنفاسك تبديه أي تظهره بقدرة الله تعالى إلا وله تعالى فيك قدر ـ بفتح الدال المهملة ـ أي أمر مقدر ناشئ عن قدرته وإرادته.
يمضيه: أي ينفذه كائنا ما كان.. فأنت رهن القضاء والقدر في كل نفس وفي كل
طرفة عين.. فكن عبدا لله في كل شيء: عطاء ومنعا.. وعزا وذلا.. وقبضا وبسطا.. وفقدا ووجدا.. إلى غير ذلك من مختلفات الآثار وتنقلات الأطوار.. فإن الكاملين من أهل الله يراعون الحق في كل نفس حتى يكونوا أبدا بالموافقة مع ما أقام الحق فيه عبده من شواغل العبادة لا يجب الفراغ منه.. بعدم العجب من أكدار الدنيا إذ هذه طبيعتها قضى بها الله تعالى . وهذا مقام شريف لا يوفي به إلا أهل العنايات.
ومن غفل في حسابه.. خسر في اكتسابه.
وقال بعض العارفين:
من أدرك في نفسه التغيير والتبديل في كل نفس فهو العالم بقوله تعالى: { كل يوم هو في شأن } ”29 “ الرحمن.
وما ألطف قول بعضهم:
نفذت مقادير الإله وحكمه ** فأرح فؤادك من لعل ومن لو


سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 21

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 21:


" طلبك منه اتهام له.. وطلبك له غيبة منك عنه.. وطلبك لغيره لقلة حيائك منه.. وطلبك من غيره لوجود بعدك عنه ".

أي: طلبك منه تعالى حوائجك معتمدا على الطلب معتقدا أنه لولاه لما الأقدار جارية على العبد مع كل نفس له. حصل مطلوبك اتهام له تعالى بأنه لا يرزقك إلا بالطلب.. إذ لو وثقت به في إيصال منافعك إليك من غير سؤال لما طلبت . وأما إذا كان الطلب على وجه التعبد امتثالا لقوله تعالى: { ادعوني أستجب لكم } ” 60 “ غافر. فلا يكون معلولا.. وبهذا يجمع بين طلب الدعاء والنهي عنه.


وكذلك طلبك له تعالى بأن تطلب قربك منه والوصول إليه بعملك غيبة منك عنه إذ الحاضر لا يطلب وهو تعالى أقرب إليك من حبل الوريد.
وكذلك طلبك لغيره من الأعراض الدنيوية أو المراتب الأخروية لقلة حيائك منه.. إذ لو استحيت منه لم تؤثرعليه سواه.
وكذلك طلبك من غيره تعالى غافلا في حال الطلب عن مولاك إنما يكون لوجود بعدك عنه.. إذ لو كان قريبا منك لكان غيره بعيدا عنك.
فالطلب بأوجهه الأربعة معلول سواء كان متعلقا بالحق أو الخلق إلا ما كان على وجه التعبد والتأدب واتباع الأمر وإظهار الفاقة.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 20


سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 20:

"ما أرادت همة سالك أن تقف عندما كشف لها إلا ونادته هواتف".

الحقيقة : الذي تطلب أمامك ولا تبرجت له ظواهر المكونات إلا ونادته حقائقها
: { إنما نحن فتنة فلا تكفر } ” 102 “ البقرة
أي ما قصد سالك أي ـسائر إلى االله تعالى ـ أن يقف بهمته عندما كشف لها من الأنوار والأسرار في أثناء السير ظنا منه أنه وصل إلى النهاية في المعرفة إلا ونادته هواتف الحقيقة ـ جمع هاتف ـ وهو ما يسمع صوته ولا يرى شخصه .
أي قالت له بلسان الحال : الذي تطلب أمامك فلا تقف.. وما ألطف قول أبي الحسن التستري في هذا المعنى:

ولا تلتفت في السير غيرا فكل ما **سوى الله غير فاتخذ ذكره حصنا

وكل مقام لا تقم فيه إنه ** حجاب فجد السير واستنجد العونا

ومهما ترى كل المراتب تجتلى عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا

وقل ليس لي في غير ذاتك مطلب فلا صورة تجلى ولا طرفة تجنى

وقال سلطان العاشقين ابن الفارض:

قال لي حسن كل شيء تجلى بي تملى فقلت قصدي وراكا

لي حبيب أراك فيه معنى غر غيري وفيه معنى أراكا

وحد القلب حبه فالتفاتي لك شرك ولا أرى الإشراكا

وقوله: ولا تبرجت أي: أظهرت له زينتها ظواهر المكونات التي هي كالعروس
في تبرجها ..إلا ونادته حقائقها أي: بواطنها بلسان الحال : إنما نحن فتنة.. أي: ابتلاء واختبار.. فلا تكفر أي: فلا تفتتن بنا ولا تقف عندنا فتحجب بنا عن معرفة الله التي لا تتناهى في دار البقاء الأبدية فضلا عن هذه الدار الدنية وهو كفر بحق المنعم جل شأنه. وبالجملة فالوقوف بالهمة على شيء دون الحق خسران والاشتغال بطلب ما يقرب إليه كرامة من الله ورضوان. فجد في الطلب والتزم حسن الأدب.


سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم 19

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم 19:

"لا تطلب منه أن يخرجك من حالة ليستعملك فيما سواها فلو أرادك لاستعملك من غير إخراج".

أي: لا تطلب - أيها المريد - من الله تعالى أن يخرجك من حالة موافقة للشرع
دنيوية أو دينية لتوهمك أن غيرها أرقى منها.. لأنه تخيير على مولاك.. ولا خيرة
لك في ذاك . فلو أرادك أي جعلك من أهل إرادته وخاصته لاستعملك استعمالا محبوبا عنده من غير إخراج من الحالة التي أنت عليها. وأما لو كانت الحالة غير موافقة للشرع فإنه يجب عليك المبادرة وطلب الإخراج منها والان
تقال إلى غيرها. كما قال بعض الأكابر:
فتنة الوقوف عند حالة من المقامات حالة سير السالك أثناء سلوكه.. فإن أقامك عظيم المنة في عمل موافق للسنة فهو مقامك الذي يليق بك فلا ترُم خلافه بشهوتك لو شاء ربنا العظيم المالك ومن له التصريف في الممالك لكنت في المطلوب من غير طلب فارض بحكم الله والزم الأدب.. وإن أقامك هواء الطبع في عمل مخالف للشرع فبادر الخروج لا تماطل واقطع بسيف العزم كل حائل.

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 18

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 18:

" إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفس".

أي: إحالتك - أيها المريد - الأعمال الصالحة على وجود الفراغ من أشغال الدنيا تعد من رعونات النفس ـ أي حماقتها ـ لما في ذلك من إيثار الدنيا على الآخرة وأشغال الدنيا لا تنقضي.. فما قضى أحد منها لبانته ولا انتهى أرب إلا إلى أرب..أى: ما انتهى عمل إلا بدآ عمل آخر.
وقال آخر:

نروح ونغدو لحاجاتنا ** وحاجات من عاش لا تنقضي

وقد قالوا : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
وفي الحديث : " ما من يوم إلا وهو ينادي : يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنم مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة
"

سلسلة شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم 17

سلسلة شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم 17:

"ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يحدث في الوقت غير ما أظهره الله فيه".

يعني: أن من حسن الأدب أن يكون المريد راضيا بما أقامه الله فيه. كما قال بعض العارفين: منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته.. ولا نقلني إلى غيره فسخطته.
فإن سخط المريد الحالة التي يكون عليها وتشوف إلى تأخير الأعمال من رعونات النفس. فوجب عدم استحباب طلب الخروج من حالة موافقة للشرع إلى حالة أخرى.. فمن طلب الانتقال عنها بنفسه وأراد أن يحدث غير ما أظهره الله تعالى فقد بلغ غاية الجهل بربه وأساء الأدب في حضرته.
اللهم دبر لنا أمورنا فإنا لا نحٍسن التدبير.

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم 16

سلسلة شرح الحكم العطائية.. الحكمة رقم 16:

"كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر بكل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر لكل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الظاهر قبل وجود كل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أظهر من كل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الواحد الذي ليس معه شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو أقرب إليك من كل شيء؟ كيف يتصور أن يحجبه شيء ولولاه ما كان وجود كل شيء؟ يا عجبا كيف يظهر الوجود في العدم؟ أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم؟"

بين المصنف في هذه الحكمة الأدلة التي تدل على أنه سبحانه لا يحتجب بالأكوان وأتى بها على وجه استبعاد أن يتصور ذلك في الأذهان فقال :
كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء حيث إنه هو الذي أوجده
بعد العدم وما كان وجوده متوقفا عليه لا يصح أن يحجبه وقوله: ظهر بكل شيء أي من حيث أن كل شيء يدل عليه فإن الأثر يدل على المؤثر وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد قال تعالى : { سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه
الحق } ” 53 “ فصلت . وقوله: ظهر في كل شيء أي من حيث أن الأشياء كلها مجالي ومظاهر لمعاني أسمائه فيظهر في أهل العزة معنى كونه معزا وفي أهل الذ لة معنى كونه مذلا وهكذا . . . وقوله : ظهر لكل شيء.. أي تجلى لكل شيء حتى عرفه وسبحه . كما قال تعالى: } وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون } ” 44 “ الإسراء . وقوله: وهو الظاهر قبل وجود كل شيء أي فهو الذي وجوده أزلي وأبدي فوجوده ذاتي والذاتي أقوى من العرضي فلا يصح أن يكون حاجبا له . وقوله : وهو أظهر من كل شيء أي لأن الظهور المطلق أقوى من المقيد وإنما لم يدرك للعقول مع شدة ظهوره لأن شدة الظهور لا يطيقها الضعفاء كالخفاش يبصر بالليل دون النهار لضعف بصره لا لخفاء النهار على حد ما قيل:

ما ضر شمس الضحى في الأفق طالعة ** أن لا يرى ضوءها من ليس ذا بصر

وقوله : وهو الواحد الذي ليس معه شيء أي لأن كل ما سواه في الحقيقة عدم محض كما تقدم . وقد قام البرهان على وحدانيته تعالى بقوله سبحانه :{ لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } ” 22 “ الأنبياء . وقوله : أقرب إليك من كل شيء أي بعلمه وإحاطته وتدبيره . كما قال تعالى في كتابه المجيد : {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد } ” 16 “ سورة القرآن . وقوله: ولولاه ما كان وجود كل شيء هو بمعنى قوله أولا وهو الذي أظهر كل شيء . ولكون المقصود المبالغة في نفي الحجاب لم يضر هذا التكرار لأن المحل محل إطناب. ثم قال : يا عجبا كيف يظهر الوجود في العدم أي يجتمع معه وهما ضدان .


أم كيف يثبت الحادث مع من له وصف القدم ؟ حتى يكون حجابا للعظيم المنان . قال ابن عباد : وهذا الفصل من قوله : الكون كله ظلمة إلى هنا أبدع فيه المؤلف غاية الإبداع وأتى فيه بما تقر به الأعين وتلذ به الأسماع . فإنه - رضي الله عنه - ذكر جميع متعلقات الظهور وأبطل حجابية كل ظلام ونور وأراك فيه الحق رؤية عيان وبرهان ورفعك من مقام الإيمان إلى أعلى مراتب الإحسان . كل ذلك في أوجز لفظ وأفصح عبارة وأتم تصريح وألطف إشارة . فلو لم يكن في هذا الكتاب إلا هذا الفصل لكان كافيا شافيا فجزاه الله عنا خيرا.


سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 15

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم 15:

"مما يدلك على وجود قهره سبحانه أن حجبك عنه بما ليس بموجود معه "

أي ما يدلك - أيها المريد - على أنه سبحانه القاهر فوق عباده أن حجبك بفتح
همزة أن المصدرية المنسكبة مع ما بعدها بمصدر أي حجبك عنه تعالى بالكون الذي ليس بموجود معه لأنك قد علمت أنه ظلمة أي عدم محض من حيث ذاته . فالوجود الحقيقي إنما هو الله تعالى وما سواه لا يوصف عند العارفين بوجود ولا فقد إذ لا يوجد معه غيره لثبوت أحديته ولا يفقد إلا ما وجد.
وقال سيدي أبو الحسن الشاذلي : إنا لننظر إلى الله تعالى بنظر الإيمان قيام الأشياء باالله وكونه سبحانه الحافظ عليها وجودها.. فيغنينا ذلك عن الدليل والبرهان.. ونستدل به على الخلق فإنه ليس في الوجود إلا الواحد الحق فلا نراهم.. وإن كان ولا بد فنراهم كالهباء في الهواء إن فتشتهم لم تجدهم شيئا.
وقال سيدي محي الدين بن العربي :
من شهد الخلق لا فعل لهم فقد فاز.
ومن شهدهم لا حياة لهم فقد حاز.
ومن شهدهم عين العدم فقد وصل.
ومما فيل في هذا المعنى:
من أبصر الخلق كالسراب فقد ترقى عن الحجاب إلى وجود يراه رتقا بلا ابتعاد ولا اقتراب ولم يشاهد به سواه هناك يهدى إلى الصواب..
فارفع - أيها المريد - عنك هذا الحجاب واجعل تعلقك برب الأرباب . فإن كل شيء هالك إلا وجهه. ولا يضمن لك الوصول إلى الله إلا هذه الوجهة.


سلسلة شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم 14

سلسلة شرح الحكم العطائية: الحكمة رقم 14:

"الكون كله ظلمة وإن ما أناره ظهور الحق فيه.. فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أوعنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار"

أي أن الكون بالنظر إلى ذاته كله ظلمة أي عدم محض لأنه لا وجود له بذاته وإنما أناره أي أوجده ظهور الحق تعالى فيه أي ظهور إيجاد وتعريف لا ظهور حلول وتكييف.. بمعنى أنه تجلى عليه بذاته وقال له كن فكان وهو قادر على إعدامه في الحال والاستقبال فليس ثم إلا مبدع الأكوان.


ثم أن من الناس من حجبه الكون ـ أي المكونات ـ عن المكون تعالى فلم يشهده
سبحانه أي فلم يشاهد تأثيره فيه.. وهو الذي قد أعوزه أي فاته وجود الأنوار
فصار محتاجا لها لفقدها عنده.. وحجبت أي غابت عنه شموس المعارف أي
المعارف التي هي كالشموس في إظهار الأشياء والكشف عن حقائقها.. فإضافة شموس إلى المعارف من إضافة المشبه به للمشبه كإضافة سحب إلى الآثار أي الآثار - جمع أثر - بمعنى المكونات الشبيهة بالسحب بضمتين جمع سحاب قد منعت عنه المعارف الشبيهة بالشموس الكاشفة عنه الحقائق الموصلة إلى حضرة القدوس.. ومن الناس من لم يحجبه الكون عن المكون سبحانه وتعالى بل شهده فيه بتأثيره وعنده بحفظه وتدبيره وهؤلاء الذين يشهدون الأثر والمؤثر معا.
ومنهم من شهده قبله وهم الذين يستدلون بالمؤثرعلى الأثر.
ومنهم من شهده بعده وهم الذين يستدلون بالأثر على المؤثر وهذه الظروف المذكورة في كلام المصنف ليست زمانية ولا مكانية,.. فإن الظروف من جملة الأكوان بل هي اصطلاحات ليس المراد منها ظاهرهاعند ذوي العرفان وإنما تدرك بالذوق لا بالتعبير. فقف عند حدك وتمسك بقوله تعالى: { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } ” 11“ الشورى.





سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ( 13 )

سلسلة شرح الحكم العطائية الحكمة رقم ( 13 ):



"كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته ؟ أم كيف يرحل إلى الله وهو مكبل بشهواته ؟

أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله وهو لم يتطهر من جنابة غفلاته ؟ أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار وهو لم يتب منه فواته ؟"...

هذه الحكمة كالتوجيه للحكمة التي قبلها.. وذلك لأن العزلة المصحوبة بالفكرة
يتخلى القلب بها عن الأغيار.. وبها يرحل إلى الله ويدخل حضرته ويتحلى بفهم
دقائق الأسرار . وأما القلب الذي طبعت في مرآته صور المكونات فاشتغل بها
وصار مكبلا ـ أي مقيدا بالشهوات ـ فإنه لا ينال الإشراق ولا ظهور الحق أصل إنارة الكون . .