الاثنين، 23 مايو 2016

سلسلة شرح الحكم العطائية -الحكمة رقم (2)


 سلسلة شرح الحكم العطائية:
 الحكمة رقم (2) :
"إرادتك التجريد مع إقامة الله إياك في الأسباب من الشهوة الخفية ، وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك في التجريد انحطاط عن الهمة العلية".
الشرح : لنفهم قول ابن عطاء علينا أن نفهم الفرق بين حالتين : حالة الأسباب وحالة التجريد.

يقول الشيخ البوطى : (الأولى – أى حالة الأسباب - أن يجد نفسه متقلباً تحت سلطان من عالم الأسباب، فأينما تحرك وجد نفسه أمام أسباب لا مناص له من التعامل معها. فهذه التي تسمى حالة الأسباب.

والثانية – أى حالة التجريد- أن يجد نفسه معزولاً عن سلطان الأسباب، ليس له سبيل إليها، إذ تكون بعيدة عن متناوله وعن المناخ الذي أقامه الله فيه. وتسمى حالة التجرد أو التجريد.)

ثم يضرب الشيخ البوطى مثالا ليفرق بين الحالتين: (مجموعة من الناس توجهوا حجاجاً إلى بيت الله الحرام. أما البعض منهم فمتحررون من سائر القيود والتبعات والمسؤوليات، متفرغون لأداء هذه الشعيرة، مقبلون إلى مزيد من العبادات والقربات. وأما بعض منهم فأطباء أنيطت بهم مسؤولية الرعاية الجسمية للحجيج ومعالجة من يتعرضون منهم للآلام أو الأسقام، أو متعهدون أنيطت بهم مسؤولية توفير عوامل الراحة والحاجات التي لا بدّ منها لهم.
أما الطائفة الأولى: فهي تمرّ من الوضع الذي هي فيه بما سماه ابن عطاء الله: حال التجرد أو التجريد، فالمطلوب منها أن تقبل إلى ما قد فرغها الله له من كثرة العبادات والقربات والأذكار والاستزادة من النوافل.
وأما الطائفة الثانية: فهي تمرّ من الوضع الذي هي فيه بما سماه ابن عطاء الله: مرحلة الإقامة في الأسباب. فالمطلوب من أفراد هذه الطائفة التعامل مع الأسباب التي أقامهم الله فيها وألزمهم بها. فالطبيب منهم مكلف برعاية الكتلة التي كلف بالسهر على صحتها ومعالجة المرضى وأولي الأسقام فيها. ومتعهدو الخدمات الأخرى مكلفون بالقيام بما قد تعهدوا به على خير وجه.
فلو أن أحدهم تناسى المسؤولية التي أنيطت به، إذ أقامه الله سبباً لإحدى الخدمات الكثيرة للحجيج، وأمضى أوقاته كلها أو جلّها في البيت الحرام طائفاً ساعياً راكعاً ساجداً يتلو القرآن ويكرر الأذكار والأوراد، مهملاً سببيته التي أقامه الله عليها في خدمة المحتاجين وتطبيب المرضى، فهو مفتئت على شرع الله عابث بنظام هديه، ذلك لأن الله أقامه من الوضع الذي هو فيه، في عالم الأسباب، فتجاهله تناساه مصطنعاً لنفسه حالة التجرد التي هو، بحكم الشرع الإسلامي، بعيد عنها.)
وبذلك يتضح لنا المعنى الذى أراده ابن عطاء ، وهو أن المؤمن عليه أن يرضى بالحالة التى أقامه الله فيها ، فإن أقامه الله فى عالم الأسباب فعليه أن يرضى بقسمة ربه ولا يترك عالمه مريدا للتجرد ، وإن أقامه الله فى عالم التجريد فعليه حينئذ أن لا يطلب عالم الأسباب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق