الاثنين، 23 مايو 2016

سلسلة شرح الحكم العطائية--الحكمة رقم (4)

سلسلة شرح الحكم العطائية (4)

الحكمة رقم 4 :
"أرح نفسك من التدبير ، فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك ".

الشرح : أرح نفسك من تعب التدبير المنافي للعبودية بأن تقول: لولا فعلت كذا ما كان كذا.. فإن الله تعالى دبر الأشياء في سابق علمه.. وما قام به غيرك عنك لا تقوم به لنفسك.. فإنك عاجز عن القيام به. وأما التدبير المصحوب بالتفويض للعليم الخبير فلا بأس به.. لقوله صلى الله عليه وسلم: (التدبير نصف المعيشة) رواه السيوطى فى الجامع الصغير. (1)
يقول الشيخ البوطى موضحا: (من يعمل بهذه الحكمة يخرج إلى السوق فيعمل كما يعمل الآخرون، ويقبل على الأسباب التي تنتصب في طريقه فيقدرها.. ويتعامل معها طبق التعاليم الشرعية.. فإذا جاء من يسأله: ماذا تتوقع من وراء أنشطتك وأعمالك هذه، قال له: واجبات كلفني الله بها، أديتها كما طلب. ما الذي سيخلقه الله من وراء ذلك؟
إنه عائد إلى تدبير الله وحكمه. وأنا مستسلم لقضائه راض بحكمه.
هذا هو النهج الإسلامي الذي يذكّر به ابن عطاء الله... تعاملٌ مع الأسباب القائمة، بما يتفق مع الشرع، وتسليم لحكم الله وتدبيره مع ذلك وبعد ذلك.
وبوسعك أن تتبين هذا النهج في حياة قدوتنا المصطفى ..
انظر إلى شأنه يوم هاجر إلى المدينة المنورة مصطحباً معه صاحبه أبا بكر رضي الله عنه..
تعامل في هجرته هذه مع الأسباب كلها، حتى لكأنه يوقن بأنها الشرط الذي لا بدّ منه لنجاح هجرته..
خرج متخفياً، ترك علياً رضي الله عنه ينام في فراشه.. حتى يظن المشركون أنه رسول الله فلا يتعقبونه ويبحثون عنه، ترك راعي أبي بكر يسير بأغنامه وراءهما لتعفي الأغنام على آثار مشي رسول الله وصاحبه، أقاما ثلاثة أيام في غار ثور، ريثما ينقطع الطلب في الطرقات عنهما، عهدا إلى رجل من المشركين مأمون الجانب أن يلقاهما في ميقات معين عند غار ثور، وهو (عبد الله بن أريقط) ليدلّهما على الطرق الخلفية إلى المدينة.. فهذا هو التعامل التام مع الأسباب.)

0 التعليقات:

إرسال تعليق